اقتصاد

كتب د. هشام الأعور – جمهورية الصين الشعبية كما ترى نفسها: أمة تنهض من رماد “الإذلال” وتكتب مستقبل العالم بقيادة الحزب الشيوعي

منذ أواخر القرن التاسع عشر، شكّلت تجربة “قرن الإذلال” جزءاً لا يتجزأ من الوعي الجماعي الصيني، وهي الفترة التي شهدت اجتياحات أجنبية، وتدخلات استعمارية، واتفاقيات غير متكافئة. هذه التجربة التاريخية القاسية لم تندثر، بل تحوّلت في ظل قيادة الحزب الشيوعي الصيني إلى مرتكز أيديولوجي وسردي لصياغة طموحات الصين المعاصرة ومكانتها في النظام الدولي.

– الإذلال كذاكرة مؤسِّسة… والنهضة كرسالة سياسية

يرى الحزب الشيوعي الصيني أن مهمته لا تقتصر على الحكم، بل تشمل “إعادة مجد الأمة الصينية”. وهو ما عبر عنه الرئيس شي جين بينغ في المؤتمر الوطني الـ19 للحزب عام 2017، قائلاً:

> “لقد أنهى الشعب الصيني بقيادة الحزب الشيوعي قرن الإذلال، وفتح صفحة جديدة من النهضة الوطنية.”

 

هذا الخطاب ليس مجرد تعبير عن التاريخ، بل هو إطار تعبوي سياسي يرسخ شرعية الحزب، ويضعه في قلب المشروع القومي الحديث.

وفي الذكرى المئوية لتأسيس الحزب عام 2021، شدد شي جين بينغ على هذا البعد التاريخي بقوله:

> “لن نسمح لأي قوة أجنبية بتخويفنا أو إخضاعنا. الشعب الصيني لن يُذل مرة أخرى.”

– الحزب الشيوعي كمهندس – الهوية الوطنية

الحزب لا يكتفي باستحضار الماضي، بل يعيد كتابته بمنظور يخدم رسالته. فالمناهج التعليمية، والإعلام، وخطابات الدولة كلها تصب في تأكيد سردية واحدة:
“بدون الحزب، لا وجود لصين قوية.”

وقد لخّص شي جين بينغ هذا المعنى في عبارة لافتة:

> “الحزب هو من قاد الشعب من الظلام إلى النور، ومن الذل إلى العزة.”

 

هذه المركزية الحزبية في تشكيل الهوية الوطنية تجعل الولاء للحزب متماهياً مع الولاء للوطن، في معادلة تقوّي قبضته الداخلية وتوحد الجماعة السياسية الصينية خلف مشروع واضح المعالم.

– السياسة الخارجية: سردية استعادة المكانة لا فرض الهيمنة

لا ترى جمهورية الصين الشعبية نفسها قوة مهيمنة بل “أمة مستعيدة لمكانتها التاريخية”. ويتجلى ذلك في مبادرات مثل “الحزام والطريق”، التي تصفها وزارة الخارجية بأنها:

> “منصة للتنمية المشتركة، ترفض منطق الهيمنة وتسعى إلى توازن دولي أكثر عدلاً.”
(المصدر: وزارة الخارجية الصينية، 2022)

 

لكن في أوقات التصعيد – كقضية تايوان أو بحر الصين الجنوبي – تعود السردية إلى جذورها التاريخية، حيث تشير الوثائق الرسمية إلى أن:

> “الشعب الصيني لن يقبل بإعادة فرض الماضي عليه بثوب جديد.”

 

هكذا تُستخدم الذاكرة التاريخية كأداة سياسية في مواجهة الضغوط الغربية، وتبرير موقف الصين كقوة ذات سيادة غير قابلة للابتزاز.

– سردية يقودها الحزب نحو نظام عالمي جديد

جمهورية الصين الشعبية لا تكتفي بأن تصعد اقتصادياً أو عسكرياً، بل تسعى لإعادة تعريف قواعد اللعبة العالمية. وهي ترى أن الهيمنة الغربية في طور التراجع، وأن المستقبل سيكون متعدد الأقطاب، بقيادة أطراف جديدة — تتقدمها الصين.

لكن هذا المشروع الطموح تقوده جهة واحدة: الحزب الشيوعي الصيني، الذي لا يقدّم نفسه كحزب سياسي فحسب، بل كفاعل تاريخي، ومهندس حضاري، وضامن لمستقبل الأمة. وكما يقول شي جين بينغ مراراً:

> “تحقيق الحلم الصيني لا يمكن أن يتم إلا تحت قيادة الحزب.”

خاتمة

إن جمهورية الصين الشعبية، كما ترى نفسها اليوم، ليست فقط قوة صاعدة، بل أمة تصوغ سرديتها على أنقاض قرن الإذلال، وتعيد تعريف ذاتها ودورها في العالم عبر رؤية تقودها الذاكرة والتاريخ… وتنفذها مؤسسة حزبية حديدية.
إنها قصة صعود لا تُروى بلغة الأرقام فقط، بل بلغة التاريخ المعاد كتابته، والسياسة المتقنة، والطموح الذي لا ينفصل عن قيادة تعتبر نفسها — بحق أو بغير حق — الشرط الضروري لنهضة أمة.

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى